الصفحـــــــة الرئيـســـــــــة

الأحد، 27 مايو 2012

كائن الحجر.. كائن ثقافي قراءة في (خزانة حجر) للشاعر هيثم عيسى


كائن الحجر.. كائن ثقافي
قراءة في (خزانة حجر) للشاعر هيثم عيسى

نجاح عباس


           مثلما يشير الحجر إلى تركيبة رمزية جماعية حية  ينشغل المشروع الشعري (خزانة حجر)  للشاعر هيثم عيسى الصادر عن دار أزمنة للنشر والتوزيع 2010 بالحجر كونه المثل الأعلى الذي يسمح باكتشاف أكثر أسرارنا خفاء و يقدم متنفسا رمزيا للاضطرابات العاطفية التي يولدها انعدام التوازن أو الخلل الاجتماعي. وربما يقدم الحجر مخزونا من الأشكال الثقافية فيخفف من ألألم بمواجهة التوترات المزمنة.


      تشترك عناوين المشروع بلحمة الحجر فتبدو وهي ترسل شفراتها الثقافية كما لو انها نظام من الإخلاص الشعري يبحث في المعنى الأصلي للحجر . ينقسم المشروع الشعري الى   قسمين " الحجر" و  " الخزانة ".  يبدأ "حجر الدم " بتقديم  "الحجر" على أنه يمتلك آلية مخفية لصناعة الكائن وهي إحدى آليات الثقافة باعتبار أن الثقافة آليات هيمنة فليس لي إلا أن أضع رأسي فإنما أنا حجر ملقى على حجر . و كامتثال لنداء صميم يتتبع " حجر الدم"  تحول إنسان منذور الى حجر ويراقب مأساته الأولى وهي تأخذ شكل القوة .هرع  بن آدم يبحث عن الصخرة التي تقتله و تصنع تمثاله.


وفي " حجر المحك " يأتي السؤال الثقافي عبر محاولة لفهم التغيرات الدرامية التي تعمل على تقويض المجتمعات التقليدية ، المجتمعات التي تصنعها الحرب و تحطمها و تعيد إنتاجها ، المجتمعات التي تعيش قصة فقدانها المستمر ، المجتمعات التي لا ترث ، تأخذ شكل الضحية و حسب ، و نداؤها نداء وطن . تضحية الذين أدركوا أن خيارهم الوحيد هو الحرب .يموتون واحدا واحدا و ينتصرون ,يموتون جميعا من أجل أن تبقى أبواب مدينتهم مغلقة .


       و من فرط البحث عن ذات أخرى يأتي " حجر الشمس" فلا يجد إلا ذاته . إن حجر الشمس يوقظ فينا تلك الصور التي تقود معتقدات الحياة بأكملها . انه برهان على امتلاك المدى حيث صرخته الأولى بعريها الكامل و براءتها الكاملة   و لحظة لا يسأل خائن و لا يسرق الحب .


      أما حجر الزند فينصت إلى المقدرة الاجتماعية و الثقافية لكائن الحجر برغبة الإفلات من المصائر الدائرية التي تجهل إلى أين تمضي ، من الماضي الذي ينبثق في كل شيء و كأنها تعبر بصرامة عن إيديولوجيا الأفراد في تجاوزها للأشكال و كسر رتابة الذاكرة .ان من الحكمة ان تفعل شيئا  تندم عليه فالحرية لا تنحت بأزميل  أعمى .


بينما يسعى( حجر الأم ) الى استبدال التأريخ بحجر من أجل أن لا يفسد مستعينا بستة آلاف عام من الحزن والجمال .


ومن خلال (حجر السليماني ) تصبح أسئلة الثقافة المتنكرة بديلا عن الفراسة فالناقة من الحجر والموسيقى , وفضة الحرية نخلة برأس مقطوع , والبحر مكان أعمى لصناعة الصخور ,ليبدو كائن الحجر كما لو انه يعيش إرادة إنتاجه .


ولعل (حجر الملح) يرصد حرب الأعمى و الأعمى لحظة يفقد الانتصار شكله و تفقد الهزيمة حقيقتها فيعيش المجتمع و الثقافة صراعهما الخالص من دون انتصار أو هزيمة .


أما ( حجر الخطى) فيكشف عن المراوغة التي تعلن عن قوة فالعالم برمته خدعة حرب .الدويُ الذي في جمجمتك و سؤالك البريء و ما بقبضتك من الحقيقة و طفلك الذي يلهث خلفك ..كلها خدعة حرب .


يمضي (حجر الشيخ) بثقافة النوم السحري حيث تستحيل حبات الرز في كفه طيورا بينما كائن الحجر يموت وهو يغني ويغني وهو يموت .


ومن خلال (ثنائية الحاوي والأفعى ) يقدم المشروع الشعري مقولته عن الحرية ويزعم ان كائن الحجر أكثر حرية مما نتوقع وبرهانه الثقافي ان الأفعى في المجابهة المستديمة لا تترد في تقطيع أعماقها بسيف الحاوي وهي تشع وترقص .


مثلما يقودنا (حجر الرحى)من نفق الى نفق برغبة واحدة مثارة ولن تهدأ فليس هناك سوى بريد الحرب والمدفونين حتى الأعناق وليس من خزانة سوى تلك التي تفتح بلسعة النار في محاولة لتصوير موقع سري للحرب تمر من خلاله أكثر الثقافات إنسانيه.


يفصح (حجر الشياطين) عن ثقافة الحمامات القديمة حيث دكة المغتسل في نسيانها وأبديتها وهي تصور كائن الماء ينحني أمام كائن الحجر مهما كان عنيفآ وفي ذات اللحظة يجعل منه جرسا  انسانيآ  متحركا يضج بالحقيقة والسراب ,بالعناد والطيبة ,وبالعطر والحكايات .


ويعلن( حجر الناي) عن آخر الراقصين بالقيود وهو يحكي قصة التمرد مراهنا على كائن الحجر كونه ابن النهر من قطرة الماء التي تشع في قلبه حتى قطرة الشمس .ان كائن الحجر كائن ثقافي لكونه يؤطر بحسب رمزيته الحقيقة العنيدة المتوارثة من جيل الى جيل ..هذا الكائن هو المشهد الراسخ لأفعالنا حيث نجعل من العالم شيئا يمكن تحمله و التعايش معه .


      و لن يكون الجنوب في (رسم الزقورة ) هو الجنوب لولا وجود رموز شعبية مشحونة بالعواطف حيال الصعوبات الاجتماعية المتفشية فيه .ان التنقيب عن الجنوب هو التنقيب عن صنيعة ثقافية لا يمكن إزالتها .


         في  القسم الثاني للمشروع تعكس "الخزانة" كثافة المرجعية الرمزية و تنوعها و تصور أشكال المجتمع على أنها مادة الثقافة ، فعلى الرغم من المفاجآت التي يرسمها "سوق الحجر" فانه يربط بين فوضى الأحداث من جهة و نظام المشاعر من جهة أخرى فالثعابين التي رؤيتها مخيفة يمكن قتلها بالمرايا ، الحجر الذي يطفو على الماء يحذِر من خديعة أخرى  و الحجر الذي تحمله النسور الى أوكارها لتحمي فراخها .


         و من خلال "درس في الحجر" يمكن اعتناق الوهم باعتباره مظهرا يدل على واقعية العالم فثم عينان من حجر لا تكفان عن السؤال ، الدمعة أعظم نصب ،و معلم من حجر نجلس إلى قدميه .


       أما  "ذاكرة الحجار" فمصمَمة لتكون قناعا يكشف أكثر مما يخفي للتعبير عن العنف الخاص به فليس هناك سوى رأس مقطوع يتكلم ، سوى قطرات ندى على نصل بارد ، سوى حلم يقتل من جديد ، ليس هناك سوى وليد الحرب إلى الحرب.


       ان مشروع "خزانة حجر" و هو يتحرك بين الأشكال بحثا عن أشكال أوسع من الوحدة ينتهي إلى تناقضات ذات مغزى يلعب من خلالها " الحجر ألأخير " لعبته العميقة  فيصور المجتمع كما لو أنه الحجارة و الأزميل معا .